ومن لم يعترف بأن هناك واقعة فرق التطبيق العملي بين منهج المتقدمين والمتأخرين فيما نوقش هذا العصر فأوصيه بأن يقرأ هذا الكتاب وهو تأثير العلة في تصحيح الحديث بين المتقدمين والمتأخرين لأبي عبد الرحمن بن حسن المصري الظاهري.
في هذا عرض المؤلف لنا حقيقة ما خفي في عيني سالك منهج المتأخرين الذي يظن أنه سلك طريقة ما جرى مجرى المتقدمين وهو بعيد عن ذلك في العمل، بل بالخلاف الصريح عما تقرر على طول المتقدمين من التعليل وحكم المرسل على رواية راو عن شيخ له بخاصة وغيرهما. وأورد المؤلف أربع سبعين حديثا وناقش ما نوزع بين ممن يذهب إلى منهج المتقدمين وممن إلى منهج المتأخرين ووضح أخطاء خفية ومطعنات فاحشة في تطبيق منهج المتأخرين وطريقته في حكم الحديث.
وأوصي طالب الحديث أو باحثه بأن يحدّق به كي ينكشف عليك حقيقة عادة عمل النقاد المحدثين في دراسة الحديث وتعرف الفروق في أعمال الباحثين التي تتفاوت لكل واحد منهم وبخاصة المتأخرون فتعادَ إلى الأصول في عمل النقاد الأنقياء.
ومما أتأسف من يقول أن من يعرّف هذين المنهجين مبتدع وهناك يوجد فرق العمل من طوائف متعاصرة بلا ريب في عيون الباحثين ولم يعلم الأساس العظيم فيما ناضل عنه من قدّمهما! مع أني لا أوافق هذا التعريف وأرجو أن يكون له اصطلاح مناسب غيره، أعترف بواقعة هذا الفرق وأعرف أساسه العظيم الذي يكون منشأ يجتهد اجتهادا كبيرا من يأيّدهما! لو علم ذلك الأساس لعلم كيف عظامة مكانته في علم الحديث وسكت عن التكلم بالخبيث ولو كان له مخالفا.
فاعلم أن هذا أساس عظيم لما يتأسس جهود مؤيد منهج المتقدمين: قال ابن حجر العسقلاني : فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى إتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: "وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث". وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرِّح بإثبات العلة فأما إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما. وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح. والله أعلم. [النكت على ابن الصلاح، 2/711].
فطالع هذا الكتاب وقارن بين ما أقره ابن حجر العسقلاني وبين ما جرى في عمل المتأخرين. فسوف تراه. إن شاء الله.

No comments:
Post a Comment